Friday, January 4, 2008

رحلة إلى الله






في قلب أم القرى - 2



كنت قد أنهيت الحديث عن جولتنا في المدينة الطيببة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحدثت عن آثار الرحلة وروحانياتها المحلقة بنا في أفق القرب.

والآن حان الوقت لننطلق سويا نحو مكة ..أم القرى، ومهبط الوحي..

تركنا المدينة المنورة ليلا- بعد منتصف الليل على وجه الدقة -، وكان الطريق بين المدينتين طويلا وشاقا نوعا ما.. استغرق قرابة الست ساعات، بدأت مع نهايته آثار ضوء خفيف تتسلل من خلف أودية مكة وجبالها، لنرى أنفسنا بين أحضان جبال عالية مهيبة مختلفة الألوان والأشكال عن اليمين واليسار، تتقاسم مع عبير الصباح مشاعرنا التي سمت، وأرواحنا التي هفت نحو البيت العتيق، فنفكر، ونتذكر، ونتخيل أحداثا وأحداثا.. هنا بدأت وهنا انتهت.

عندما اجتازت سيارتنا حدود مكة علا صوت قائدها بالدعاء وانفطرت عيناه بالبكاء وهو غير مصدق لوصوله مكة، ومؤكدا على أن الله عز وجل قد منحنا فضلا لا يمنحه إلا لمن يحب، ولا يمن به إلا على من يرضى.. كلماته هزت مشاعرنا ومع بكائه تضامنت أعيننا، وبدعائه بدأنا جميعا الدعاء.

دعونا لفترة ثم عدنا مرة ثانية لتفكرنا وتأملنا الصامت لهيئة الجبال من حولنا.. دقائق ووصلنا إلى حيث تتوقف السيارات، وإلى حيث تنتظرنا سيارات أعدت خصيصا للتنقل الداخلي في مكة ولنقل الحجيج إلى الحرم المكي أو إلى عرفات.

نعم.. كان وصولنا يوم عرفة وكان علينا أن نتوجه مباشرة إليها لنؤدي ركن الحج الأعظم، إلا أن حنيننا إلى الكعبة كان أعظم وأعظم، فاتفقنا على أن نتوجه إليها بداية ثم إلى عرفة فوقت الوقوف ممتد حتى الغروب.

بالفعل توجهنا صوب الحرم المكي.. في الطريق حاولت جاهدة أن أتذكر ملامح المسجد الذي زرته قبل نحو سبعة عشر عاما بصحبة والديّ.. حاولت تذكر الكعبة..الساحة.. المآذن.

نعم أتذكر الكعبة؛ فهي المشهد الذي يستحيل أن تفقده الذاكرة يوما، وبعضا من بئر زمزم إلا أنني لا أتذكر المزيد.

والآن وصلنا ساحة المسجد الخارجية .. سعادة تبدو على الوجوه .. ليست سعادة عادية فهي فرح وابتهاج - ابتسامة عريضة على الشفاه ، دقات قلوب متسارعة من جديد ، سرعة في الخطوات رغم حملنا لأمتعة ثقيلة، لحظات تشعر معها بمرح الطفولة وانفاعالات الصبا.

كانت أمامنا دقائق معدودة لنؤمن فيها مكانا للأمتعة، ونستعد فيها لأداء طواف القدوم.. بسرعة وقبل أن تنقضي كنا قد انتهينا، وكيف لا والكعبة على بعد خطوات وما أدراك ما الكعبة .

دخلت بصحبة زوجي.. واقتربنا شيئا فشيئا وهو يحاول أن يمنعني من إلقاء النظر اللاإرادي عليها لحين النظر المباشر لها.. حتى لا أنسى الدعاء المسنون لحظة رؤيتها إلا أنني طلبت منه أن يعذرني فأنا لا أستطيع منع عيني من البحث تلمسها والتطلع لرؤيتها؛ فجوارحي الآن ليسة ملكا لي، ولو كنت مكانها لتوسلت لي لأطلق سراحها فتجول في رحاب حرم ربها بلا جسد يمنعها.

وصلنا إلى ساحة الحرم الداخلية .. كان الطواف هااااااااادئا جدا بسبب وقوف معظم الحجيج على عرفة؛ فكان الوقت ملائما لإدارة المسجد لوضع اللمسات النهائية على كسوة الكعبة المشرفة وكان مشهدا جميلا بالفعل ومميزا.

طفت بالقرب من الكعبة وتأملتها وسعدت بها، وأنهيت الطواف في زمن قياسي ثم توجهنا إلى مقام إبراهيم فصلينا ركعتين.. ثم شربنا من ماء زمزم وبدأنا الاستعداد للسعي.

كانت من ضمن الأشياء التي لازالت عالقة في ذاكرتي صورتا جبلي الصفا والمروة ، لذا توجهت إليهما وكلي أمل أن أراهما فأستعيد ذكرياتي لكنني في الحقيقة تألمت قليلا عندما وجدت معالم جبل الصفا وقد اختفت تقريبا بفعل الطبقات التي غلف بها الجبل لتيسر للحجيج صعوده فلم يبق منه سوى عدد ضئيل من الأحجار في قمته .. المهم أنني وقفت على الجبل واستقبلت القبلة ودعوت وبدأت السعي .

سبعة أشواط أتممتها وزوجي دفعة واحدة؛ فالوقت كان يداهمنا، والرغبة تلح في سرعة التوجه إلى عرفة قبل الزحام .

وبالفعل تحركنا، وقطعت بنا السيارة المسافة إلى هناك في زمن قياسي ووصلنا إلى عرفات الله حيث ركن الحج الأكبر...



وللحديث بقية

Tuesday, December 25, 2007

رحلة إلى الله


إلى رحاب يثرب - 1
"إلى رحاب يثرب، إلى ضياء كوكب، إلى النبي الطيب، إلى النبي إلى النبي، هيا بنا إلى النبي، هيا بنا إلى النبي"

أعتقد أن الكثيرين لا يعرفون أصل هذه الكلمات على وجه الدقة ، على العموم هي مقدمة أنشودة جميلة تغني بها جمع من الممثلين في أحد الأفلام العربية القديمة التي تتحدث عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعتقده فيلم "فجر الإسلام".

المهم أنني استحضرتها الآن، وأنا أستعد لأقص تجربتي الرائعة لزيارة أطهر بقعتين على وجه الأرض..إنهما مكة والمدينة.

وسأبدأ بالترتيب .. سأبدأ بالمدينة المنورة ...

كانت نسمات الصباح الباردة المنعشة قد بدأت تهب علينا حينما اجتازت سيارتنا حدود مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوقفناها عند أول مسجد صادفنا وترجلنا عنها مسرعين آملين أن ندرك صلاة الصبح قبل أن تشرق علينا الشمس.

وبالفعل أدينا الصلاة وعدنا بصحبة أزواجنا مسرعين مرة أخرى إلى السيارة ومشاعر الشوق تسبقنا إليها.. لهفة للوصول إلى مسجد الحبيب، وما هي إلا دقائق معدودة طوينا خلالها شوارع المدينة الهادئة حتى وصلنا.

كان وصولنا مميزا للغاية.. فنحن لم نر المسجد مباشرة بل دلفنا إلى مكان تجمع السيارات بأسفله، وتركنا السيارة وصعدنا إلى المسجد عبر درجات سلمه المتحرك، وكم كان الأمر مؤثرا وهو يتبدى لنا شيئا فشيئا حتى صرنا مواجهين له تماما.

مشاعر مختلطة يشعر بها كل من يصل إلى هذا المكان.. سعادة، رغبة في البكاء، عدم تصديق بأنك صرت في مسجد الحبيب الذي طالما تمنيت زيارته،راحة عجيبة تغمرك.. مشاعر كثيرة يالها من رائعة.

بسرعة شديدة تجهزنا وأصبحنا مستعدين للدخول إلى الروضة الشريفة وهي المكان الذي يقع في المنتصف بين قبر النبي عليه السلام ومنبره المبارك، ولعل وصولنا جاء في الوقت المناسب؛ فقد كانت الفترة المخصصة لزيارة النساء قد أوشكت على الانتهاء.

دلفنا إلى المسجد وسرنا نحو الروضة الشريفة متمتعين بالنظر إلى كل جزء في المكان . كم كان جميلا وهادئا .. بدأت خطواتنا تسرع ودقات قلوبنا أسرع .. نحن نقترب، نعم نقترب.. هناك لا لا بل هنا.. نعم هنا نحن الآن في قلب الروضة نحن على بعد خطوات من النبي، يا إلهي.. هو الآن يسمعني .. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.. السلام عليك يا حبيبي وحبيب ربي.. السلام عليك يا سيدي وسيد الخلق أجمعين.

هو الآن يرد علي، نعم صليت عليه طوال عمري كثيرا وكان يرد السلام، لكنني كنت بعيدة جدا، أما الآن فأنا بالقرب منه.. أقف على عتباته ، لا يفصلني عنه شيء.. إنها مسافة ضئيلة جدا إنها روضة من رياض الجنة.. ما أطيب عبيرها.
استقبلت القبلة وصليت ركعتين، وعجزت عيناي بعدهما عن الصمود فذرفتا الدموع، وعصاني لساني فأبى إلا الدعاء والدعاء.. لحظات مرت علي وكأنها ما مرت، لحظات تشعر وكأنك في الجنة.

ما أطيبك يا حبيب الخلق، وما أحلى جوارك ، والائتناس بك، والله لفي ذلك الغنى عن سائر البشر، بل عن الدنيا بأسرها.

مرت اللحظات سريعة وحان وقت المغادرة ورأيت من حولي يودعون الروضة ووجوههم إليها غير قادرين على جعل ظهورهم نحوها، إنه الشوق، إنه ألم الفراق, إنه الجهل بالقدر.. ترى هل سنعود إليه يوما؟..

خرجنا من المسجد المبارك وبدأنا رحلة العودة للتاريخ المشرق..
- "
موقعة غزوة أحد" كانت أول بقعة توقفت عندها سيارتنا بعد مغادرة المسجد، هناك تذكرنا.. وأغمضنا أعيننا لنستمع لدوي المعركة ونتخيل مشاهدها، ثم فتحنا أعيننا لننظر لجبل أحد ذلك الجبل الذي قال فيه النبي أنه يحبنا ونحبه كم هو مختلف، ودافئ، ثم توجهنا إلى مقر مقابر الشهداء وقرأنا ما تيسر من كتاب الله قبل أن ننتقل لما يليها.
- "
مسجد قباء" أول مسجد بني في الإسلام، وعندها كان وقت صلاة الظهر قد حان فدخلنا المسجد لأدائها وحينها تذكرنا قصته وكيف كان عند بدايته، ترى أين جلس الرسول؟، وأين جلس صحابته؟، تراني أجلس الآن في موضع جلوس أحدهم؟، أسئلة عديدة لا تملك معها قلبك من الخشوع.


أما آخر بقعة فكانت منطقة " غزوة بدر الكبرى" والتي تبعد عن المدينة مسافة يقدر وقت عبورها بنحو الساعة والنصف أو الساعتين في طريق طوييييييييل -تملؤه الجبال- قصرها علينا التأمل والتفكر.. كيف سار خير صحابة الحبيب كل هذه المسافة ؟، كم بلغت قوة إيمان هؤلاء؟ يالهم من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه!، يالهم من نفر استحقوا المغفرة حتى يوم الدين!.

وصلنا إلى بقعة هادئة جميلة يزينها جدار عال زين بأسماء شهداء الموقعة السبعة عشر.. وقفنا لدقائق وقرأنا ما تيسر من كتاب الله ودعونا لهم وانطلقنا.

كانت زيارتنا لمسجد الحبيب هي الأخيرة قبل المغادرة إلى أم القرى، لم تكن سوى لدقائق حاولنا خلالها أن نتذكر كل ما يحضرنا من أدعية للحبيب، وفي الحقيقة ما كنا بحاجة ماسة للتذكر فالقلب يفيض حبا واللسان يفيض ذكرا والعين تتمنى لو طبعت صورة المسجد فيها إلى الأبد.

تركنا المسجد وغادرنا، ونحن على أمل أن نعود، ونجلس إلى الحبيب، ونأنس به.
تركنا المكان وكلنا أمل أن نكون أهلا لشفاعته، وأن نكون صحبه، وأحبائه، الذين ما خذلوه، وما فرطوا في عهده معهم.

تركنا يثرب، تركنا البلدة الطيبة، التي يشهد كل ركن فيها بحب الحبيب.

وقصدنا أم القرى... وللحديث بقية

Saturday, December 8, 2007

مساحة للبوح..

لم تكن تجربة الحديث عن ذاتي ومشاعري وأفكاري هي الأولى من خلال هذه المدونة، فقد بدأت تجربتي مبكرة قليلا.. أعتقد أنها بدأت مع بلوغي ربما السابعة أو الثامنة عشر من عمري.. عندها كنت لازلت أدرس بالمرحلة الثانوية.

أتذكر أنني وقتها قمت بشراء كشكول جميل و كتبت عليه من الخارج سري جدا واحتفظت به في أحد أدراجي أسفل كل أوراقي وكتبي! بل وأحيانا كنت أستخدم رموزا خاصة حتى لا يستطيع من يطلع عليه ممن يمكن أن يسقط الكشكول في أيديهم فهم من أتحدث عنهم من شخصيات!!!.

في الحقيقة تضحكني الآن هذه التصرفات لأنني كنت أدون أمورا عادية جدا من باب خصامي لإحدى صديقاتي ، خوفي من نتيجة اختبار مررت به ، وربما حزني من أحد أفراد الأسرة بسبب أمر عابر يتكرر لكل فرد في أي عائلة ولا يعتبر ذو أهمية تذكر- المهم أنني أخذت أدون فيه يوما بيوم ما أمر به سواء أكانت أحداثا هامة أو عادية ، مع الوقت أصبحت أبتعد عن الكتابة شيئا فشيئا ولا أعود إليها إلا مع حدوث أمر أراه يستحق الذكر ويؤثر علي بشكل بالغ، ومع مرور الأيام والسنوات هجرت الكتابة والبوح تماما، وأصبحت أرى مذكراتي – هكذا أطلقت عليها – بالمصادفة كلما هممت بإعادة ترتيب مكتبتي أو تنظيم محتويات دولاب أغراضي .

الطريف أنني في إحدى مرات رؤيتي لكشكولي القديم أردت أن أسترجع ذكريات صباي المدونة فيه وعندما هممت بالقراءة اكتشفت أشياء لطيفة للغاية...

*وجدت في نفسي قدرة مميزة على السرد والحكي والتعبير عن الذات ، وجدت مقدرة على تطويع اللغة وفق ما أريد فقد كانت مذكراتي بلغة عربية رائعة – أو هكذا كانت تبدو لي - .
*كما أنني لاحظت اختلافا في شكل الخط وجودته أيضا حتى أنني استطعت من خلال جودة وسوء الخط أحيانا الاستدلال على الحالة النفسية التي كنت أعانيها وقت الكتابة بل وعلى اندفاعي في الكتابة أو البطء فيها.

لكن بالرغم من ذلك لم تجذبني النتائج التي توصلت إليها لإعادة الكرة مجددا والخوض في تسجيل أحداث الحياة‘ رغم أنها مع تقدم سنوات عمري والتحاقي بالجامعة ثم التخرج والعمل أصبحت مليئة بل ومكتظة بها، وأصبحت أستعيض عن الكتابة على الورق بالحديث مع من يطيب لي التحدث إليهم.

لكنني في الحقيقة تراجعت عن هذه الفلسفة‘ أو بالأحرى أعدت تشكيلها لأسباب رأيتها منطقية:

*في الكتابة فرصة رائعة للتحدث والتحدث دون قيد أو مقاطعة.
*في الكتابة تدوين وتسجيل وحفظ للذكريات والأحداث والأفكار والمشاعر.
*في الكتابة فرصة لتلاشى حدود المكان وتخطي حواجز الزمن؛ فالكتابة ممكنة في أي وقت وإعادة عقارب الزمن لتذكر أحداث الماضي متاحة والإبحار في عوالم المستقبل جائزة.

ووجدتني أتساءل إذا كان بإمكاني فعل كل ذلك بل وعرضه على من يطيب لي التحدث إليهم والائتناس بهم فلم لا ؟
وكانت المدونة.. التي أدين لشخصية كريمة بإعادة تذكيري بها، وحثي على البوح من خلالها، وها أناذا أبدأ أولى تدويناتي برغبة في الحديث تعادل رغبتي في أن يسمعني أصدقائي مجددا ويشاركونني أحداث حياتي وذكرياتها ورؤيتها للمستقبل.. إنها مساحة للبوح.. والاستماع أيضا.