Tuesday, December 25, 2007

رحلة إلى الله


إلى رحاب يثرب - 1
"إلى رحاب يثرب، إلى ضياء كوكب، إلى النبي الطيب، إلى النبي إلى النبي، هيا بنا إلى النبي، هيا بنا إلى النبي"

أعتقد أن الكثيرين لا يعرفون أصل هذه الكلمات على وجه الدقة ، على العموم هي مقدمة أنشودة جميلة تغني بها جمع من الممثلين في أحد الأفلام العربية القديمة التي تتحدث عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعتقده فيلم "فجر الإسلام".

المهم أنني استحضرتها الآن، وأنا أستعد لأقص تجربتي الرائعة لزيارة أطهر بقعتين على وجه الأرض..إنهما مكة والمدينة.

وسأبدأ بالترتيب .. سأبدأ بالمدينة المنورة ...

كانت نسمات الصباح الباردة المنعشة قد بدأت تهب علينا حينما اجتازت سيارتنا حدود مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوقفناها عند أول مسجد صادفنا وترجلنا عنها مسرعين آملين أن ندرك صلاة الصبح قبل أن تشرق علينا الشمس.

وبالفعل أدينا الصلاة وعدنا بصحبة أزواجنا مسرعين مرة أخرى إلى السيارة ومشاعر الشوق تسبقنا إليها.. لهفة للوصول إلى مسجد الحبيب، وما هي إلا دقائق معدودة طوينا خلالها شوارع المدينة الهادئة حتى وصلنا.

كان وصولنا مميزا للغاية.. فنحن لم نر المسجد مباشرة بل دلفنا إلى مكان تجمع السيارات بأسفله، وتركنا السيارة وصعدنا إلى المسجد عبر درجات سلمه المتحرك، وكم كان الأمر مؤثرا وهو يتبدى لنا شيئا فشيئا حتى صرنا مواجهين له تماما.

مشاعر مختلطة يشعر بها كل من يصل إلى هذا المكان.. سعادة، رغبة في البكاء، عدم تصديق بأنك صرت في مسجد الحبيب الذي طالما تمنيت زيارته،راحة عجيبة تغمرك.. مشاعر كثيرة يالها من رائعة.

بسرعة شديدة تجهزنا وأصبحنا مستعدين للدخول إلى الروضة الشريفة وهي المكان الذي يقع في المنتصف بين قبر النبي عليه السلام ومنبره المبارك، ولعل وصولنا جاء في الوقت المناسب؛ فقد كانت الفترة المخصصة لزيارة النساء قد أوشكت على الانتهاء.

دلفنا إلى المسجد وسرنا نحو الروضة الشريفة متمتعين بالنظر إلى كل جزء في المكان . كم كان جميلا وهادئا .. بدأت خطواتنا تسرع ودقات قلوبنا أسرع .. نحن نقترب، نعم نقترب.. هناك لا لا بل هنا.. نعم هنا نحن الآن في قلب الروضة نحن على بعد خطوات من النبي، يا إلهي.. هو الآن يسمعني .. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.. السلام عليك يا حبيبي وحبيب ربي.. السلام عليك يا سيدي وسيد الخلق أجمعين.

هو الآن يرد علي، نعم صليت عليه طوال عمري كثيرا وكان يرد السلام، لكنني كنت بعيدة جدا، أما الآن فأنا بالقرب منه.. أقف على عتباته ، لا يفصلني عنه شيء.. إنها مسافة ضئيلة جدا إنها روضة من رياض الجنة.. ما أطيب عبيرها.
استقبلت القبلة وصليت ركعتين، وعجزت عيناي بعدهما عن الصمود فذرفتا الدموع، وعصاني لساني فأبى إلا الدعاء والدعاء.. لحظات مرت علي وكأنها ما مرت، لحظات تشعر وكأنك في الجنة.

ما أطيبك يا حبيب الخلق، وما أحلى جوارك ، والائتناس بك، والله لفي ذلك الغنى عن سائر البشر، بل عن الدنيا بأسرها.

مرت اللحظات سريعة وحان وقت المغادرة ورأيت من حولي يودعون الروضة ووجوههم إليها غير قادرين على جعل ظهورهم نحوها، إنه الشوق، إنه ألم الفراق, إنه الجهل بالقدر.. ترى هل سنعود إليه يوما؟..

خرجنا من المسجد المبارك وبدأنا رحلة العودة للتاريخ المشرق..
- "
موقعة غزوة أحد" كانت أول بقعة توقفت عندها سيارتنا بعد مغادرة المسجد، هناك تذكرنا.. وأغمضنا أعيننا لنستمع لدوي المعركة ونتخيل مشاهدها، ثم فتحنا أعيننا لننظر لجبل أحد ذلك الجبل الذي قال فيه النبي أنه يحبنا ونحبه كم هو مختلف، ودافئ، ثم توجهنا إلى مقر مقابر الشهداء وقرأنا ما تيسر من كتاب الله قبل أن ننتقل لما يليها.
- "
مسجد قباء" أول مسجد بني في الإسلام، وعندها كان وقت صلاة الظهر قد حان فدخلنا المسجد لأدائها وحينها تذكرنا قصته وكيف كان عند بدايته، ترى أين جلس الرسول؟، وأين جلس صحابته؟، تراني أجلس الآن في موضع جلوس أحدهم؟، أسئلة عديدة لا تملك معها قلبك من الخشوع.


أما آخر بقعة فكانت منطقة " غزوة بدر الكبرى" والتي تبعد عن المدينة مسافة يقدر وقت عبورها بنحو الساعة والنصف أو الساعتين في طريق طوييييييييل -تملؤه الجبال- قصرها علينا التأمل والتفكر.. كيف سار خير صحابة الحبيب كل هذه المسافة ؟، كم بلغت قوة إيمان هؤلاء؟ يالهم من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه!، يالهم من نفر استحقوا المغفرة حتى يوم الدين!.

وصلنا إلى بقعة هادئة جميلة يزينها جدار عال زين بأسماء شهداء الموقعة السبعة عشر.. وقفنا لدقائق وقرأنا ما تيسر من كتاب الله ودعونا لهم وانطلقنا.

كانت زيارتنا لمسجد الحبيب هي الأخيرة قبل المغادرة إلى أم القرى، لم تكن سوى لدقائق حاولنا خلالها أن نتذكر كل ما يحضرنا من أدعية للحبيب، وفي الحقيقة ما كنا بحاجة ماسة للتذكر فالقلب يفيض حبا واللسان يفيض ذكرا والعين تتمنى لو طبعت صورة المسجد فيها إلى الأبد.

تركنا المسجد وغادرنا، ونحن على أمل أن نعود، ونجلس إلى الحبيب، ونأنس به.
تركنا المكان وكلنا أمل أن نكون أهلا لشفاعته، وأن نكون صحبه، وأحبائه، الذين ما خذلوه، وما فرطوا في عهده معهم.

تركنا يثرب، تركنا البلدة الطيبة، التي يشهد كل ركن فيها بحب الحبيب.

وقصدنا أم القرى... وللحديث بقية

12 comments:

Unknown said...

حقيقي يا أميرة المملكة وكأني كنت معاكوا، كلامك فيه تجسيد رائع للمشهد والمشاعر المحيطة بيكم.
ربنا يكتبها لكل مسلم ويتقبل منك
آمين...

ملكة الزهور said...

ياريت فعلا كل اللي يقرأها يحس ابللي حسيناه، ساعتها هيكون لكلامي أثر.

يارب يرزقك أخي الكريم حج بيته وزيارة مسجد حبيبه.

اللهم آمين

Anonymous said...

بسم الله الرحمن الرحيم
يا لها من كلمات حلقت بنا في هذا الجو الروحاني ، واخترقت بنا حجب الزمان والمكان فجعلت القلوب تهفو والعبرات تنهمر شوقا لزيارة بيت الله الحرام ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم . بارك الله فيك وفي كل من ساهم في هذا العمل ، ونفع به جميع المسلمين

قضية عم أحمد Ahmed Case said...
This comment has been removed by a blog administrator.
Anonymous said...

رحلة العمر

رحلة الحج هي رحلة العمر بالفعل؛ ولهذا كان أمر حسن من الكاتبة أن تجعلنا نعيش معها مشاعرها وأحاسيسها أثناء أداء هذه الفريضة الرائعة مما يزيد من لهفة القارئ وتشوقه إلى زيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم ويعجل خطواته للقيام بالحج دون تسويف وتأخير.
ولذا ندعو ملكة الزهور أن تزيدنا من رحيق قلمها مع التركيز أكثر على عطر الزيارة وأريجها ونحن في شوق إلى التهام بقية السلسلة ولاسيما زيارتها للكعبة المشرفة لتعبر بغصنها "قلمها" الواعد عن تلك الزيارة الكريمة فبارك الله لها وعليها وتقبل حجها مبرورا ليس له جزاء إلا الجنة.
حازم علي

ملكة الزهور said...

أحمد رفعت

متشكرة جدا يا أحمد على المتابعة، وجزاكم الله خيرا أخي الكريم، وأعتذر لك عن المشكلة إللي حدثت اللاإراديةإللي جت فيك مرتين، معذرة بقى لسة مدَونة حديثة عمالة ألخبط :)، أتمنى متابعتي دوما,ووفقكم الله لما فيه الخير.

ملكة الزهور said...

محمود مهدي-بابا

ربنا يخليك لي يا بابا على تشجيعك وكلماتك إللي دفعتني كتير لقدام، ربنا يخليك ويبارك فيك لي ولماما ولأميرة ومصطفى:).

ملكة الزهور said...

حازم علي-زوجي

مش عارفة أقولك إيه يا حازم-ردك كان أول رد منتظراه، ورأيك أعتز به فوق ما تتصور،ودعمك لي اللي لا ينتهي، ربنا يخليك لي وأستمع دايما لردودك ونصايحك الغالية اللي دايما في محلها.

Anonymous said...

حج مبرور وذنب مغفور ، والله ينولهالك تاني حبيبتي ، ويرزقنا إياها

معلشي يا نهولة التعليق جه متأخر شوية بس غصب عني

علي فكرة مدونتك جميلة ورقيقة زيك ، إلي الامام حبيبتي ، وبالتوفيق دايما ، وفي انتظار المزيد

Mo3Az said...

ماشاء الله

تدوينة راائعة الى ابعد الحدود
نقبلها الله منكم
اصبتى يا فندم فى اختيار الموضوع
واختيار الكلمات والاسلوب

انا بجد عشت فى عالم تانى مع البوست ونسيت المزاكرة اللى ورايا :)

اسأل الله ان يرزقنا زيارة بيته و مسجد حبيبه ونبيه

تحياتى
(F)

ملكة الزهور said...

إلى Anonymous

متشكرة جدا ليكي يا حبيبتي على كلامك المهذب الجميل، فعلا أسعدني والله، بس كنت أتمنى تكتبي إسمك عشان أسعد بيكي أكتر.
لكن على العموم أيا من كنتي فأنا أشعر أنكي حد قريب:).

ملكة الزهور said...

أشكرك أخي العزيز معتز:)

أنا سعيدة قوي بمتابعتك لمدونتي، وأكيد أنا كمان هتابع مدونتك .

إدعيلي بمزيد من الكتابات.